من حكومة الوزيرَين إلى المجلس الشيعي الأعلى
الوزير السابق جوزف الهاشم
Friday, 07-Feb-2025 07:35

ألّفها، ألّفاها ألّفوها... كأنّهم يؤلّفون كتاب «روح الشرائع» للكاتب الفرنسي «مونتسكيو».

 

لو شاء الرئيس المكلّف أنْ يلبّي شهوة المطالب والحقائب لكان عليه أن يؤلّف حكومةً من السياسيّين وحكومة من التقنيّين وحكومة من الأحزاب وحكومة من النواب وحكومة من المجانين.

 

عندما تتفكّك المجتمعات وتُنتهَكُ «روح الشرائع» وتتعدّد الإنتماءات وتتلاشى الوطنيات وتقع البلاد في الفراغات، تصبح غير مؤهَّلة لتحكم نفسَها بنفسها.

 

نحن استعمرنا الدولة اغتصاباً، فراح يحرِّرها قناصل دوليّون وباتت تخضع لانتداب دولي: سياسي أمني وسيادي.

 

قبل العصر الميليشياوي الذي تزعزعتْ معه قواعد الحكم وتمزّقت مذاهب، كان للسياسة عندنا قيمتُها، وللأحزاب حرمتُها وللزعامات حجمها، وللرئاسات هيبتها، وكانت الحكومات عند الضرورات يغلب فيها المبدأ الوطني على الإنتماء المذهبي والمنطق العددي.

 

عندما تمّ اعتقال بشارة الخوري ورياض الصلح ومعهما الوزراء، لم يبقَ من الحكومة إلّا حبيب أبو شهلا ومجيد إرسلان، وفي 11 تشرين الثاني 1943 وبتوقيع حبيب أبو شهلا كرئيسٍ للوزراء بالوكالة صدر مرسوم يقضي بممارسة الصلاحيات المعطاة لرئيس الجمهورية بصورة موقَّتة وفقاً لإحكام الدستور وأصبحت الحكومة من وزيرَين فقط.

 

الرئيس فؤاد شهاب في أوائل عهده ألّف حكومة من أربعة وزراء: رشيد كرامي، حسين العويني، بيار الجميل، ريمون إده، وكانت تمثل الطوائف جميعها والأحزاب جميعها.

والرئيس رشيد كرامي في نيسان 1975 ألّف حكومةً من: كميل شمعون، عادل عسيران، مجيد إرسلان، فيليب تقلا، وغسان تويني، ستة رجال يمثلون وطناً.

 

وإذا شئتُم مثلاً أكثر تعبيراً في هذا المجال، نستحضرُ مأثرةً جليلةَ الدلائل لدى واحدٍ من الرجالات التاريخيّين: «الإمام موسى الصدر عند تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اختار أن يكون لهذا المجلس هيئتان: واحدة مؤلفة من رجال الدين وأخرى مدنية منتخبة، وقد فاز في الهيئة المنتخبة خمسة أعضاء يمثلون الأحزاب العلمانية وكان منهم شيوعيان» (1)... شيوعيان في المجلس الشيعي الأعلى.

نعم... في الأنظمة الديمقراطية غالباً ما تتولّى الأحزاب فيها الأحكام، ولكن أيَّ نوعٍ من الأحزاب عندنا؟

الأحزاب عندنا مذهبية تخضع لديماغوجية الزعيم، وتخاطب الله بعنصرية الأرض، وهناك رؤساء أحزاب كما الأباطرة، كل أمبراطور يحمل لقب الإلهي والمخلّص، وغالباً ما يكون هذا المخلّص هو نفسه القاتل.

 

وهكذا كان الخلفاء العباسيون، كل خليفةٍ يقترن إسمه بالله: الخليفة المعتزُ بالله والخليفة القاهر بالله والمستبدُ بالله والمنتصر بالله.

رؤساء الأحزاب عندنا كأنّهم خلفاء والأحزابُ مع أنّها مذهبية فهي تمارسُ السياسة على غرار الأحزاب الفاشيّة التي هي أصلاً ضدّ البرلمان وتستخدمه للإستيلاء على السلطة.

 

الإصلاح المنشود لا يتحقق بتكرار تجارب التغيير من أعلى إلى أدنى وبواسطة تغيير الحكومات، بل ينطلق من تغيـيرٍ بنيويّ إستنهاضيّ إلى فوق.

لا بدّ إذاً من قانونٍ عصري وطني للأحزاب وقانونٍ عصري وطني للإنتخاب.

في الإنتظار، على هذه الحكومة أن يكون بيانها على صورة خطاب القَسَم «بكلِ مندرجاته»، وعلى صورة القرار الأممي 1701 بكلِ مندرجاته، وعلى صورةِ خطاب عمر بن الخطاب: «إنَّ أشقى الوُلاة مَنْ شقِيَتْ بهِ رعيَّتُه».